بالرغم من السياسات المتشددة التي انتهجها الرئيس الامريكي باراك اوباما وحزبه الديمقراطي خلال العام لمنع صعود اليمين الجمهوري ومنع سيطرته على مجلسي النواب والشيوخ, فان الهزيمة الساحقة التي مني بها الرئيس وحزبه قد يكون لها انعكاسات ايجابية على الازمة في الشرق الاوسط.
ادارة الرئيس اوباما والتي نجحت بوقف الانهيار الاقتصادي وبدء التعافي الاقتصادي يجب ان تكون قد ادركت ان الاقتصاد وحده لا يحقق شعبية او نجاحا سياسيا. كما ان هذه الادارة نجحت على اكثر من صعيد, ومنها سحب القوات الامريكية من العراق والوعد بانهاء المشاركة الامريكية المسلحة في المستنقع الافغاني.
الرئيس الامريكي وحزبه الديمقراطي لا بد انهم في وارد مراجعة الاسباب التي ادت الى هذه الكارثة الانتخابية/السياسية وعلى راسها تزايد قلق الامريكيين من خطورة الارهاب الدولي بقيادة تنظيم داعش الارهابي واحتمال تمدده الى امريكا.
في مقالات سابقة كنت قد توقعت ان الولايات المتحدة وحلفائها قد بداوا بالفعل تغيير سياساتهم اتجاه ما يحدث في الشرق الاوسط, نتيجة الفشل في تدمير وهزيمة الدولة السورية. كما كنت قد توقعت ان هذا التغيير يجب ان يشمل محاولة منع عودة الارهابيين الغربيين الى بلدانهم وبشتى الطرق. احدى هذه الطرق هي تاجيج الصراع في المنطقة وتوسيعه ليشمل دول مجاورة لسوريا ودخول قوات غربية على خط محاربة التنظيمات الارهابية. كل ذلك من اجل تشكيل تحد ايدولوجي لمقاتلي التنظيمات الارهابية التكفيرية لمنع انهيارهم السريع وبالتالي عودة الارهابيين الغربيين الى دولهم باعداد كبيرة ستهدد الامن القومي لهذه الدول.
الا ان الكثير من المحللين والمراقبين المؤيدين للدولة السورية كانوا وما زالوا يشككون بنوايا الامريكي وحلفائه اتجاه سوريا والمنطقة. وكانوا يستشهدون على ذلك بان امريكا وحلفائها قرروا التدخل في سوريا مباشرة للانقضاض قريبا على الجيش السوري وقلب نظام الحكم هناك. كما استشهدوا ايضا بعدم فعالية الضربات الجوية في القضاء على الجماعات الارهابية بل والقاء الطائرات الامريكية عدة مرات لاسلحة ومعدات لداعش في اكثر من منطقة.
اعتقد جازما ان هذا التراخي العسكري الامريكي في توجيه ضربات قاتلة للتنظيمات الارهابية بل ومساعدة هذه التنظيمات بالقاء سلاح لها سببه الرئيس كان قرب الانتخابات النصفية لمجلس الشيوخ الامريكي.
فالرئيس اوباما وحزبه الديمقراطي لم يودوا الانقضاض بقوة على التنظيمات الارهابية التي شاركوا بانشاءها وتدريبها وتسليحها وبالتالي اعلان فشل مخططهم بقلب نظام الحكم في سوريا قبل هذه الانتخابات. فادارة الرئيس الامريكي اشبعت مواطنيها ومواطني دول العالم وخصوصا الغربية منها بكل الفبركات والاكاذيب عن "همجية النظام السوري والجيش السوري" وان الولايات المتحدة لن تعترف بالنظام الا بعد تنحي الرئيس الاسد. والرئيس الامريكي ووزرائه اكدوا لمواطنيهم خلال ال4 سنوات الماضية ان "ايام الاسد معدودة", وما يزال الامريكي يعد الايام. ولذلك فان تراجع الرئيس الامريكي وادارته عن سياسة معاداة الدولة السورية بل والانتقال الى مساعدة الدولة في ضرب التنظيمات الارهابية والعمل على انهاء وجودهم في سوريا كان سيؤدي الى نتائج كارثية على شعبية الرئيس وادارته.
الان وبعد انتهاء الانتخابات النصفية بهزيمة لحزب الرئيس الديمقراطي, فان الرئيس اوباما لن يكون تحت ضغط انتخابي وخوف على شعبية منهارة. بل ان الرئيس وادارته يعرفون ان الكثير من الشعبية المفقودة تعود للسياسة الخارجية المترددة لهذه الادارة وما نتج عنها من تفشي للارهاب والذي اصبح يهدد امريكا وحلفائها. هذا التهديد الارهابي الذي ضرب قبل ايام داخل البرلمان الكندي وما زال يهدد وبشدة مدن غربية اخرى على راسها مدن الولايات المتحدة نفسها.
كما ان الرئيس الامريكي وادارته يدركون ان سياساتهم الخارجية الفاشلة ستنعكس عاجلا ام اجلا الى كارثة انسانية على دولتهم والدول الغربية الحليفة. وبدون خطة واضحة للقضاء على الارهاب في دول الشرق الاوسط , فان هذا الفشل سيؤدي الى انتشار الارهاب الى الدول الغربية وعلى راسها امريكا.
وقد تكون الخطة البديلة عن الخطة الاصيلة (المتمثلة بمشروع الشرق الاوسط) تتلخص بالعمل على قتل اكبر عدد من الارهابيين في سوريا والعراق. هذا القتل الذي سيعمل على تحقيق اكثر من هدف.
الهدف الاول يتمثل بالتخلص من اعداد كبيرة من الارهابيين التكفيريين (تصل الان الى 25 الف تكفيري اجنبي وحوالي 100 الف تكفيري سوري وعراقي) قبل مغادرتهم الى دول اخرى حليفة لامريكا. كما ستعمل هذه الاستراتيجية على تشكيل حافز لمن تبقى من التكفيريين لمغادرة المنطقة (سوريا وجوارها) الى دول تنعدم فيها الحكومة المركزية ويكون تحقيق حلم الخلافة فيها اسهل.
والواضح ان الولايات المتحدة تعمل على نقل نشاط التكفيريين الى شمال افريقيا (خصوصا ليبيا التي تنعدم فيها حكومة مركزية وتتوفر فيها كل ظروف اقامة الخلافة الموعودة) لاشغالهم ولمدة طويلة بحروب مع القبائل تلهيهم عن العودة الى دولهم الغربية ونشر الرعب فيها.
هذه الاستراتيجية ليست بالجديدة وقد استخدمتها امريكا من قبل. فبعد انسحاب الروس من افغانستان وبدا عودة المقاتلين التكفيريين الاجانب الى بلدانهم وبداهم بالعمل لمحاولة نشر التجربة الافغانية في اقامة نظام ظلامي فيها, قامت الولايات المتحدة بتطبيق استراتيجية الاشغال في دول غير صديقة او دول تتوفر فيها خيرات يجب نهبها.
وهذا ما حصل في الجزائر حيث توجه الكثير من الافغان العرب لاشعال حرب اهلية طاحنة استنزفت الدولة الغنية بالغاز والنفط والمعادن الاخرى. وما ان انتهت الحرب الاهلية الجزائرية, قامت الولايات المتحدة بتوجيه الافغان العرب الى البلقان وكوسوفو. وهكذا دواليك.
بالرغم من ان ادارة الرئيس الامريكي ستواجه الكثير من الصعوبات والعراقيل بسبب سيطرة الجمهوريين على ميزان القوة في الكونغرس بمجلسيه, الا ان الرئيس لا يحتاج الى موافقة الكونغرس للبدء بتنفيذ سياسته الخارجية. ويدرك الرئيس ان لديه عام واحد قبل بدا انطلاق الحملات الانتخابية لتحسين صورة امريكا بتعزيز امنها القومي ضد الارهاب والجماعات الارهابية, تمنع كارثة انتخابية اخرى لحزبه الديمقلراطي.
اؤمن ان اللعبة القذرة لتدمير سوريا ورسم نظام شرق اوسط جديد هي في ربع ساعتها الاخيرة. ولن يكون امام ادارة اوباما الا اللجوء الى الخطة ب لاشغال الارهابيين بحلم جديد لاقامة خلافة ظلامية ستلهيهم لعقود عن الانقضاض على امريكا والدول المتحالفة معها. والشواهد كبيرة عن بدا انسحاب الالاف من سوريا والعراق وتوجههم نحو ليبيا لاقامة خلافتهم هناك. وما اعلان امارة درنة الا مقدمة لنقل الخلافة من الرقة الى درنة وبدا التمدد في هذا البلد الشاسع المترامي الاطراف.
No comments:
Post a Comment