هل فوجئنا باللغة المائعة التي صيغت بها لغة قانون اخراج الاطفال من معتقلات العار الاسترالية؟ وهل كنا نتوقع كثيرا من حزب الخضر الذي لا يملك أي رصيد من نتائج متحققةسابقا؟
دعونا في البداية ان نذكر مآخذنا علی مشروع القانون المقدم الی مجلس الشيوخ بالامس فالمشروع يدعو الی اطلاق الاطفال والقاصرين من معسكرات الاعتقال في مدة لا تزيد عن ١٢ يوما. وينص ايضا علی ان يتم تحديد ان كان يجب ان يتم اطلاق الوالدين خلال ٣٠ يوما.
ولكن مشروع القانون لا يحدد معنی "الاعتقال". كما ان القانون لا يتحدث عن نوع التاشيرة التي يجب ان يحصل عليها القاصر واهله او يضع مددا زمنية للبت في طلباتهم.
كما يجب ان نذكر ان اكبر ماخذ لنا علی القانون هو ان حزب الخضر تراجع كليا عن شعاراته المطالبة بالغاء نظام الاحتجاز الاجباري كليا (للاطفال والكبار). هذه الشعارات التي دابنا علی سماعها كلما دق كوز الانتخابات في جرة السياسة الاسترالية.
وهنا يجب ان نذكر ان حزب الخضر يعتبر حالة فريدة في السياسة الاسترالية و مثالا حيا للانتهازية السياسية بادنی مستوياتها. فكل الاحزاب الاسترالية (حتی الرجعية منها) لها سياسات واضحة لا تحيد عنها تعتبر في قلب التزاماتها منذ انشائها او تطورا عن فكرها، الا حزب الخضر. فهو حزب الموقف الشعبوي الذي يستقطب اصواتا اكثر.
عود علی قضيه قانون اخراج الاطفال من معتقلات العار، فان قراءة شبه متانية في القانون تجعلنا نسال من طرحه الاسئلة التالية:
١-هل يعتبر اسكان العائلات في مساكن خارج المعتقلات التقليدية (في شقق سكنية تحت حراسة مشددة لا تسمح بالحرية الكاملة) هل يعتبر ذلك انهاءا لحالة الاعتقال؟
٢-ما هي المدد الزمنية التي يمكن ان يقضيها الاطفال واهاليهم في هكذا منازل (تعتبر خارج المعتقل) قبل البت في طلباتهم؟
ان هذين السؤالين يجيبان علی الكثير من التساؤلات التي يمكن ان نطرحها لنحدد الفرق بين القانون المطروح من قبل حزب الخضر والمارسات التي طبقها حزب الاحرار الحاكم، الذي سلم السلطة لحزب العمال عام ٢٠٠٨ دون أي طفل في "المعتقلات التقليدية".
ان العار السياسي الذي ارتكبه حزب الخضر ونوابه في التراجع التام عن السياسة المعلنة لهذا الحزب بالعمل علی انهاء سياسة الاعتقال الاجباري، لا يجاريه أي عار سياسي لحزب آخر.
فحزب الخضر والذي داب علی كيل الشتائم والانتقادات والاتهامات للحزبين الكبيرين بعدم تنفيذ وعودهما الانتخابية، عليه ان يبدا بشتم نوابه وسياسييه والكف عن الكيل بمكيالين وعلی قاعدة "من بيته من زجاج لا يجب ان يرمي الاخرين بالحجارة".
المثير للقلق والحنق هو ان تلجا وسائل الاعلام للتطبيل والتزمير لهذا القانون وكانه ثورة انقلابية علی الوضع القائم، بالرغم من انه لا يزيد ولو حرفا واحدا عن السياسة التي اعلن عنها حزب العمال الاسبوع الماضي. وتفاجئنا بمواقف وسائل الاعلام ناتج عن احدی مفارقتين:
١- فوسائل الاعلام الخاصة (والذي معظمها رجعي داب علی تصوير انه يقدح في حزب الخضر ويصوره علی انه حزب ثوري يسعی لقلب نظام الحكم الراسمالي) تطبل وتزمر لحزب الخضر وكانه سيحدث نقلة نوعية في حياة الاستراليين ويحل معضلة كبيرة في حياتهم.
٢- وسائل الاعلام الممولة حكوميا والتي عادة ما تتخذ مواقف اما تقدمية او محايدة، ايضا طبلت وزمرت وكان القانون اختراق تقدمي يقلب نظام الهجرة راسا علی عقب.
٣-اما وسائل الاعلام الاثنية، فهي ناقل حرفي عن احدی الوسيلتين اعلاه.
ما يقلقنا هو وسائل الاعلام الممولة حكوميا، وخصوصا التي تبث باللغات الاثنية ومنها العربية. فهذه الوسائل تتلقف ما يقوله نواب حزب الخضر وكانه احاديث منزلة من السماء لا يمكن الطعن فيها او مجادلتها. ولذلك فهذه الوسائل لا تحلل ولا تسال معارضين او ناشطين متخصصين في الموضوع ولا تسمح براي آخر. وهي بذلك تكون قد بثت اخبارا كاذبة للعمل علی غسل دماغ جماعي للناطقين بهذه اللغات.
وبالرغم من اننا قد اتصلنا بالقائمين علی هذه الوسائل وبينا ان نواب حزب الخضر هم بشر، يخطئوا ويصيبوا، ولذلك فان اقوالهم قابلة للتاويل والتكذيب. بل ان الاغلب من اقوالهم وادعاءاتهم هي اكاذيب وتخرصات لا تمت للحقيقة بصلة. كما اننا زودناهم بحقيقة ما يحدث داخل معسكرات الاعتقال والمواقف الحقيقية الرجعية لنواب الخضر.
ولكن ويبدو ان الحمية العربية وحب التسلط واثبات القوة وعدم التعود علی التراجع عن الخطا، قد صور للقائمين علی هذه الوسائل الاعلامية ان بامكانهم التمادي في غيهم، دون محاسبة من احد. بل اننا لاحظنا انه وامعانا في المناكدة والتحدي، فان بعض هذه الوسائل قد اصبح يبث كل صغيرة او كبيرة صادرة عن حزب الخضر، حتی خلنا ان حزب الخضر اصبح المالك الكامل لهذه الوسائل الاعلامية. فاصبحت تبث الصالح والطالح، حتی خلنا انهم سيخبروننا متی يذهب نواب حزب الخضر الی دورات المياه للتخلص من اسهال طارئ او امساك مزمن.
اما بالنسبة لقانون اخراج الاطفال من المعتقلات، فهو قانون لا يقدم ولا يؤخر علی وضع اللاجئين المزري في معتقلات العار الاسترالية. بل ان القانون سيتلقفه حزبي العمال والاحرار ليقولوا ها هو حزب الخضر يوافق علی ابقاء اعتقال البالغين في معتقلات فيلاوود وكريسماس ايلاند وكيرتين وباكستر. كما ان حزب الخضر الآن يوافق علی الترتيبات الجديدة بحق العائلات والقاضية باسكانهم في مساكن تحت حراسة مشددة في مناطق نائية بعيدة عن اعين المجتمع.
ان تراجع حزب الخضر عن التزاماته اتجاه اللاجئين وطالبي اللجوء ليس هو التراجع الاول لحزب الخضر عن وعود انتخابية سابقة. فالحزب والذي وعد في اكثر من مناسبة بالعمل علی الغاء الدعم الحكومي للتامين الصحي الخاص، تراجع عن هذا الوعد وصوت ضد مقترح حكومة راد العمالية الغاء هذا الدعم وتوجيه الاموال الموفرة لدعم المستشفيات الحكومية الآيلة للتهاوي. كما ان حزب الخضر تراجع عن معارضه بعض بنود قوانين مكافحة ما يسمی بالارهاب فوافق علی معظم ما جاء في القوانين، والتي كان وعد بمعارضتها والعمل علی الغائها.
ان زيادة دعم الجماهير المهمشة والتقدمية لحزب الخضر والذي ترجم بزيادة نواب الحزب لاكثر من الضعف، اتی بنتائج عكسية مدمرة علی هذه الجماهير.
فبدلا من ان يقوم الحزب بالعمل علی المطالبة من الحكومة العمالية (الضعيفة والمئتلفة معه) بتعديل القوانين والاجراءات لتحقيق مجتمع اكثر عدلا، قام حزب الخضر باقتراح قوانين واجراءات تجعل المجتمع اقل عدالة واكثر غبنا، خصوصا للمهمشين من سكان اصليين ومهاجرين جدد ولاجئين ومعاقين.
ان المواطنين الشرفاء الذين صوتوا لحزب الخضر كاحتجاج ضد تراجع حزب العمال عن التزاماته اتجاه المهمشين، لديه الف سبب ليطالبوا حزب الخضر بتوضيحات عن سبب تراجعهم عن وعودهم الانتخابية. كما ان هؤلاء الناخبين يجب ان يضعوا الف علامة استفهام علی قدرة هكذا حزب لا يلتزم بتحقيق وعود انتخابية بسيطة، كيف له ان يحمل علی عاتقه مسؤولية تحقيق اجندات تغييرية بمواضيع هامة مثل الادارة الاقتصادية والسياسات الخارجية ونظام الرفاه الاجتماعي الآيل للانهيار والخدمات الحكومية المتازمة.
المفارقات المحزنة في الوضع الاسترالي الذي يعاني من غياب قيادة حقيقية تقود التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي تتجلی في ابهی صورها عندما نقارن وضع استراليا بوضع الدول المتقدمة المماثلة.
ففرنسا تغرق في اضرابات مليونية مفتوحة بسبب محاولة زيادة الحكومة لسن التقاعد من ٦٠ الی ٦٢ عاما. بينما ان المجتمع الاسترالي لم يحرك ساكنا عندما رفعت الحكومة سن التقاعد من ٦٠ الی ٦٥ ثم اخيرا الی ٦٧.
ومحاولة المجرم طوني بلير اطلاق مذكراته تواجه بمظاهرات صاخبة منعته من مواصلة الاطلاق وادت الی الغاء جميع حملاته للتوريج لها. بينما يجول المجرم الاسترالي جون هاورد ويصول في قاعات اطلاق مذكراته، دون معارضة تذكر، سوی من متظاهر او اثنين.
ووسائل الاعلام العالمية تصبح فعالة اكثر واكثر في فضح الحقائق، بينما وسائل اعلامنا تقف مرددة ما يصلها من سياسيين، دون تحليل او تدقيق بصحتها.
يبدو ان الاسترالي قد فقد الامل باي تغيير يمكن ان يحصل بواسطة اللجوء الی الشارع او النشاط السياسي، ولذلك فقد ارتضی ان يرسل رسائل قوية في صناديق الاقتراع. ولكن يبدو ان السياسيين يصرون علی اهمال هذه الرسائل لاكثر من سبب. قد يكون احد هذه الاسباب هو ايمانهم انه لا يوجد امام الناخب أي بديل عنهم. او ان السبب قد يكون محاولة لاستغفالنا والانتقاص من ذكائنا وقدراتنا العقلية.
مما لا شك فيه فان تراجع قدرة المجتمع الاسترالي علی التصدي لهذا الهجوم علی حقوق ابنائه، وخصوصا المهمشين منهم، يرجع في السبب الاكبر لعدم وجود قيادة ملترمة بشكل حقيقي بهذه الحقوق. وهنا يكون ان عرف السبب بطل العجب، واصبح واجبا تحقيق ايجاد هكذا قيادة.
Subscribe to:
Posts (Atom)
My experience inside the United Australia party: why UAP’s humiliating defeat & When will Ralph defect from UAP?
After running as a federal candidate for the United Australia party in the seat of Reid, these are my observation about the reasons why UA...
-
I should mention here that when the crisis erupted in Syria more than a year ago, I was not supporting President Assad. At that time, I decl...
-
Bravo, bravo, bravo and million bravos. It is confirmed by the Tasmanian Greens leader and the Australian Greens leader: the Greens is seeki...
-
Despite the fact that the police choppers are hovering over our heads in Western Sydney suburbs on daily basis for the last few months. And ...